قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, January 14, 2017

هؤلاء الرجال



هناك قصص لا حصر لها من البطولات عرفها الجيش المصري في السنوات التي سبقت حرب أكتوبر، كل قصة منها تصلح كفيلم حربي رائع، لو أنه حظي بالتمويل اللازم ليُقدم للعالم بشكل محترم مقنع، كما صدعتنا السينما الإسرائيلية ببطولاتها، وصدعتنا هوليوود بقصة عنتيبي. تذكر ملاحم كبريت وراس العش والمزرعة الصينية.. إلخ. للأسف لا أستطيع أن أتذكر فيلمًا مصريًا مشرفًا عن تلك الفترة سوى أغنية على الممر.

في 22 يناير.. تعود ذكرى مشرقة هي معركة شدوان التي وقعت عام 1970، والتي لم يعد أحد يتذكرها أو يتكلم عنها. لاحظ أن يوم 22 يناير صار هو العيد القومي لمحافظة البحر الأحمر.


نذكرك بأن شدوان جزيرة صخرية مساحتها 70 كيلومترًا مربعًا قرب مدخل خليج السويس والعقبة، وتبعد عن الغردقة 35 كيلومترًا. وعليها فنار ورادار بحري.


مشهد 1 ليل خارجي:

في ضوء الفجر الوليد، طائرات الهليوكوبتر الإسرائيلية مع قطع بحرية إسرائيلية تتجه نحو الجزيرة. يبدأ القصف على الجزيرة بشكل مكثف. يبدأ إنزال كتيبة مظلات من أشرس القوات الخاصة الإسرائيلية. هنا ترى بعضهم مع موشى ديان الفخور بجنوده. المصريون لم يعودوا يشكلون أي مصدر قلق بعد ما رأيناهم يسقطون كاليمام في حرب يونيو. كما أنهم يعرفون أن هناك قوات محدودة جدًا على الجزيرة، هم من عمال الفنار. 


قطع

مشهد 2 نهار داخلي:

بينما الأسرة المصرية تتهيأ لبدء اليوم، وقد احتشد أفرادها حول طبق الفول وأكواب الشاي، والساعة الثامنة من صباح 22 يناير، يأتي من الراديو صوت المتحدث العسكري الذي يجعل أحشاءهم تتقلص: "بدأ العدو في الساعة الخامسة صباحا هجوما جويا مركزا على جزيرة شدوان.. وقد تصدت وسائل دفاعنا الجوي لطائراته وأسقطت طائرة منها شوهد قائدها يهبط بالمظلة في البحر ومازال الإشتباك مستمرا حتى ساعة صدور هذا البيان"

اعتاد المصريون أن هذه البيانات كاذبة، وتعلموا أن ما يحدث هو الأسوأ دائمًا.. ما زالت لدغة 1967 تؤلمهم...

قطع

مشهد 3 نهار خارجي:

ما زالت طائرات العدو الميراج والسكاي هوك تهاجم القوات المصرية الموجودة في شدوان.


قطع

مشهد 4 نهار داخلي:

التلفزيون الإسرائيلي يعلن في الثالثة عصرًا أن القتال مستمر في الجزيرة وأن مقاومة المصريين شرسة.

قطع

مشهد 5 نهار خارجي:

ثمة طائرة إسرائيلية تحترق ويهبط قائدها في البحر. اللواء حسين طاهر خليل أحد أبطال الملحمة، يمارس عمله ضمن فوج 86 دفاع جوي الجيش الثاني. يتمكن سلاحه من إسقاط طائرة ميراج وطائرة سكاي هوك. فيما بعد سيقلده السادات نوط الشجاعة العسكرية من الدرجة الأولى. ولسوف يشارك في حرب أكتوبر 1973 ضمن وحدات اللواء 92 صواريخ بمطار المنصورة.

قطع

مشهد 6 نهار خارجي:

القوات الجوية والبحرية المصرية تدافع عن الجزيرة وتلقي المتفجرات على القوات الخاصة. الصحفي الأمريكي المصاحب للقوات الإسرائيلية يبرق لوكالة يونايتد بريس: برغم أن الطائرات الاسرائيلية قصفت الجزيرة 36 ساعة فهي ما زالت صامدة. القوات الإسرائيلية تذيع نداءات تطالب المصريين بالاستسلام: "أنصتوا أنصتوا جيدًا.. يا قوات الكوماندوز المصرية، الجيش الإسرائيلي لم يأت اليوم للقضاء عليكم وإنما جاء لأسركم، إن كانت حياتكم غالية عليكم، اخرجوا من مرابضكم، وألقوا بأسلحتكم وارفعوا أياديكم للأعلى، استسلموا"

يقترب مقاتلو الجيش الإسرائيلي من الموقع الذي يختبئ فيه المصريون، ليجدوا راية بيضاء.. تبين بعد هذا أنها ستار ممزق. وفي الحال أطلق المصريون النار وتمَّ تبادل إطلاق الرصاص، وأصيب الجنود الإسرائيليون.


قطع

مشهد 7 نهار خارجي:

الشهيد المقدم حسني حماد – ابن الأسكندرية – الذي قضى حياته مع لنشات الطوربيد، يلقى ربه عن ستة وعشرين ربيعًا، ليلحق ببطله ومثله الأعلى جلال دسوقي الذي استشهد في حرب 1956. هناك أبطال كثيرون في هذه الملحمة؛ منهم الريس محمد عتيق ريس الصيادين الذي اطلق عليه الإسرائيليون لقب (المجرم) واستشهد بالرصاص عندما اقترب من الجزيرة بقاربه. هناك قائمة أسماء أنقلها نقلاً، منهم من استشهد ومنهم من هو حي: حميد عتيق، أحمد جاد الله، فوزي الرموزي، الريس عبداللاه محمد سعيد، حسن جاد الله، على مرزوق، سيد أحمد، سعد الرموزي، عبدالملك محمود سليم، سلمان محمد حمدالله، محمود مكي، مسلم عرفات الجريتلي وحسن حميد عودة، وكل من بقي في الغردقة تقريبًا. لعب الصيادون دورًا عظيمًا في الاستطلاع ونقل الجنود بسفنهم ونقل المؤن لهم.

قطع

مشهد 8 نهار خارجي:

الإسرائيليون يعتقلون الريس فوزي الرموزي وهو يقوم بعملية نقل رجال الصاعقة للجزيرة. أسروه هو وأخاه سعد وجندي صاعقة اسمه محمد عيسى. وظل في الأسر في سيناء لمدة 52 يومًا، ثم نقلوه إلى إسرائيل مع التعذيب الشرس. كان عليهم أن يمضوا عامين قبل إطلاق سراحهم



قطع

مشهد 9 ليل خارجي:

قتل نحو خمسين فردًا من الجيش الإسرائيلي بينما استشهد ثمانون من جنود الجيش المصري مع عدد من المدنيين الذين يشغلون الفنار. هذا طبيعي مع اختلال ميزان القوة.

قطع

مشهد 10 ليل خارجي:

القوات الإسرائيلية تعلن عجزها عن الاستيلاء على الجزيرة، وخصوصًا مع القصف الشرس للطيران المصري الذي ألقى على الجزيرة عشرة أطنان متفجرات. هناك مصادر تقول إنهم سرقوا الرادار الموجود على الجزيرة وهو معروض في متحف عندهم، وهناك من يرفض هذه القصة، لكن الحقيقة تظل أنهم لم يستطيعوا الاستيلاء على الجزيرة.

مشهد 10 ليل داخلي: في مقر قيادته كقائد قطاع البحر الأحمر، يعرف اللواء – وقتها – سعد الدين الشاذلي أن الهجوم الإسرائيلي فشل. ويعرف أن الخطة التي وضعها لحماية الجزر قد نجحت. أعتقد أن الشاذلي كان بحق ألد أعداء إسرائيل في كل حروبها مع مصر.


قطع

مشهد 11 نهار داخلي:

صباح الجمعة. الأسرة ملتفة حول الراديو تسمع بيان القوات المسلحة الجديد: "إن القوات المسلحة المصرية لتعتبر معركة جزيرة شدوان والتي دامت 36 ساعة متصلة في قتال متلاحم رمزا للصلابة والجرأة والفداء الذي وصل في هذه الجزيرة إلى أقصى حد".

جريدة يديعوت أحرونوت خصصت عددًا خاصًا بمناسبة مرور 46 عامًا على المعركة. تحكي القصة كلها، وتصف رفض المصريين للاستسلام بأي ثمن، وتقول: "كأن أبواب الجحيم فتحت علينا".

تكشف الصحيفة عن أن لجنة تحقيق شكلت في ديسمبر 1970 بعد ذلك الفشل الذريع، واكتشفت استهتارًا بالتعليمات وقد حكم بالسجن على ضابطين مع تجريدهما من الرتب العسكرية.

قطع

مشهد 12 نهار خارجي:

اليوم. مجموعة مقابر عادية بلا احتفاء ولا لافتة ولا نصب تذكاري، تضم شهداء ذلك اليوم. وما زال أهل الغردقة يطالبون بعمل نصب تذكاري وبوابة ولائحة بأسماء الشهداء. أضم صوتي لصوتهم وأطالب كذلك بعمل درامي متقن يذكرنا دائمًا بالبطولة الحقيقية للمواطن العادي ملح الأرض. إن السياسة تتغير لكن تظل حقيقة أن رجالاً مثل عبد المنعم رياض والشاذلي والجمصي و.. و.. وآلاف الجنود ينتمون لهذا الجيش وماتوا على هذه الرمال.


النهاية