قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, January 27, 2015

أحلى من الشرف



في فيلم (خائفة من شيء ما - 1979) يلعب القدير أبوبكر عزت دور وغد يختطف طالبات الجامعة ويخدرهن ثم يغتصبهن. يراقب طالبة الجامعة الحسناء نجوى إبراهيم ويقرر خطفها، وهو ما ينجح فيه فعلاً، من ثم يتأهب للحظات من المتعة مع جسدها الغافل. لكنه في لحظة البدء يفاجأ بيد ثقيلة تسقط على كتفه، ويظهر الفنان عزت العلايلي الذي يلعب دور لص الشقق، والذي يكتشف بالصدفة شروع صاحب البيت في هذا العمل الإجرامي. تدور معركة بين الاثنين وتنتهي بأن يفتك به عزت العلايلي. القصة بعد هذا طويلة، لكنها ترينا كيف أن عزت العلايلي لص بيوت نبيل. يسرق ويقتحم لكنه بالتأكيد لا يغتصب البنات، والأهم أنه يقتل من يحاولون عمل ذلك.

تذكرت هذا عندما قرأت تحقيقًا ممتعًا أجرته صحيفة أسبوعية مع مجموعة من النشالين. التقى التحقيق بأكثر من نشالة، فقالت إحداهن: إنها تلتصق بالرجال في وسائل المواصلات، وتتركهم يتحرشون بها إلى أن تسرق ما تريد، ثم تصرخ "بألم عليه الأتوبيس وأقول انه بيتحرش بيا، وكل الأتوبيس يضربه وقتها، والناس تهدي فيّا لغاية ما أنزل معززة مكرمة".

نشالة أخرى علمت ابنتيها أساليب النشل وفنونه، قالت في فخر: "فعلا أنا بأعشق السرقة، وهي اللي بآكل من وراها عيش وهي اللي ربت بناتي، وأنا بأعتبرها صنعة ومهنة ومش عيب. أسرق أحسن ما أعمل حاجات وحشة، على الأقل بناتي مش هيتعايروا بأمهم".
في مسرحية سيدتي الجميلة - عن قصة بجماليون - تصرخ شويكار في وجه الثري فؤاد المهندس: "أنا صحيح حرامية بس شريفة!". وقد شاعت في الأفلام العربية اللحظة التي تمرض فيها أم البطلة، فتصيح: "أنا حأرقص بشرفي". ثم تنتقل الكاميرا إلى الكباريه لترينا رقصة مثيرة جدًا و(شريفة) تقوم بها البطلة.

هكذا يرتبط مفهوم الشرف الشرقي في أذهاننا جميعًا بالنصف السفلي من الإنسان. يمكن للفتاة أن ترتكب كل الجرائم لكنها تظل شريفة. فقط تفقد شرفها لو قررت أن تصير عاهرة.

بل إن النشالة التي تغري الرجال بالتحرش بها، تكفر عن هذا في النهاية بأن تصرخ وتلم الناس على المتحرش. ولا شك أن هذا يعطيها مسحة من الرضا والكبرياء، فهي من ضحك أخيرًا ولم يتمكن الرجل من نيل أي شيء منها. زميلتها ترى أن النشل صانها هي وبناتها. فلن يعايرهن أحد. أي أن الناس لن تعاير النشالة أو اللصة، لكنها تعاير الزانية أو القوادة فقط.

في كتابه الممتع (مذكرات صائم) يحكي الأديب أحمد بهجت عن العامل في المصلحة الحكومية، الذي لا يكف عن سرقة المكانس وأدوات النظافة، ويحصل على فواتير بها، لكنه يصر على أنه رجل شريف ويمكن أن يبصق في وجهك لو اتهمته بقلة الشرف. ما دام لم يرتكب الزنا ولم يبع ابنته لراغبي المتعة فهو شريف، حتى لو كان كل مليم يدخل جيبه حرامًا.

لا شك أنه مفهوم شرقي بشدة، لكن من حين لآخر أشعر أن الغربيين يفكرون مثلنا. في فيلم (عصر يوم حار) يقتحم آل باتشينو ورفيقه المصرف حيث العاملات كلهن من النساء. بعد فترة قلق وتوتر تكتشف الفتيات أن هذين اللصين الظريفين لا يريدان شيئًا منهن سوى المال. بل إن بعض المتصلين المجهولين ذوي الخيال المريض يسألون باتشينو: "هل بدأت الاغتصاب بعد؟". هنا تقع الفتيات في حب المختطفين ويدافعن عنهما، في تكرار واضح لمتلازمة ستوكهولم عندما تقع الضحية في حب المختطف الذي يعاملها باحترام ولا يؤذيها. سرعان ما تكتشف أنك تحب اللصين وتتعاطف معهما ضد البوليس الشرير، بينما كانا سيفقدان تعاطفك لو اغتصبا فتاة فعلاً. من جديد نكتشف أننا وقعنا في ذات الشرك: الشرف هو ما يتعلق فقط بالجنس. فيما عدا ذلك يمكن النقاش فيه!

الحقيقة طبعًا أن معنى الشرف واسع جدًا، ويرتبط بما هو أوسع من النصف السفلي. يتضمن الصدق والشجاعة والأمانة وتحدي الظلم والثبات على المبدأ. إلخ. يتضمن الالتزام بالقسم ونظافة اليد ورد الأمانة لأصحابها. يتضمن الكتمان والتروي.

قال لي صديقي واصفًا أحد المحررين (من إياهم) الذين تلونوا في كل العصور وأكلوا على كل الموائد: "المرأة التي تتلطخ بالأصباغ وتقف بسيجارة تحت عمود نور في الشارع أشرف منه بمراحل". وأنا أوافقه تمامًا. أحلى من الشرف مفيش فعلاً. لكنه الشرف بمعناه الواسع