قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, July 7, 2014

خواطر



رأيت فيلمين، أحدهما لقنبلة الاتحادية التى أودت بحياة الشهيدين عقيد أحمد عشماوى والمقدم محمد لطفى العشرى خبيري المفرقعات، وهو مشهد يحطم الأعصاب فعلا، لأنك فجأة صرت كالقدر تعرف أن هذا الرجل سوف يموت هنا والآن. هذا رجل يؤدى واجبه سواء اتفقت أو اختلفت مع الوزارة التى يعمل فيها. هذا رجل من حقه أن يعود لأولاده سالما. وتذكرت لواء المطافئ الذى استشهد منذ أعوام وهو يتقدم جنوده حاملا (الباشبوري) وسط ألسنة النيران فى حريق هائل. فيما بعد تذكر ضابط شاب يعمل معه مقولته: «عمرك سمعت عن ضابط مطافئ اتهموه باستغلال منصبه أو الفساد؟.. احنا فوق الشبهات يا بني». تذكرت هذا وأنا أرى الرجل الشجاع يعابث الموت بأنامله وسط الحر والعرق وزحام الفضوليين، وفجأة دوى الانفجار ولم يعد فى عالمنا. عواطف كثيرة سوف يحركها فيك ذلك المشهد، لكن العاطفة الأشد هى الغضب والدهشة.. لقد كان يعمل وقد احتشد الناس حوله فى استمتاع كأنهم يشاهدون فقرة فى السيرك، فلا ثياب واقية ولا حواجز ولا أى شىء.. يتفرجون فى عدم اكتراث ولا مبالاة كأنه يصلح دراجة مثلا. هناك من يقف ليراقب المشهد وعلى وجهه تعبير: «فهمني بقى انت بتعمل ايه بالضبط؟». دعك من أنهم بالفعل ساهموا فى تشتيت انتباهه مما جعله يلمس السلك الخطأ. من المعجزات أن الانفجار لم يفتك بمئة شخص. رأيت فى النشرة استشهاديا تم القبض عليه فى إسرائيل، بينما يقوم (روبوت) موجه عن بعد بتفتيشه وفك حزام المتفجرات عنه. لكن هذه إسرائيل!

يتكرر نفس المشهد العجيب فى فيلم آخر لتفكيك قنبلة بمنطقة البيطاش بالعجمى.. زحام من الناس والعيال الذين يهللون فلا يتركون مكانا يتنفس فيه خبير المفرقعات. أسلوب المولد يسيطر على تفكيرنا فى كل شىء حتى فى القنابل.. وعندما انفجرت القنبلة لم يكن لمفعولها خطر أكثر من صواريخ رمضان.. هذا لحسن حظنا طبعا وإلا لهلك خمسون شخصا. هنا صاح العيال: هيييييييييييه!.. وزغردت النساء...

أذكر أيام انفجارات التسعينيات الإرهابية أننى كنت فى بنك مصر بطنطا، ورأيت رجلا مريبا غارقا فى العرق يتلفت حوله، ثم وضع كيسا أسود فى منتصف المكان وغادره مسرعا!.. خرجت لرجل الشرطة الجالس على باب المصرف يشرب الشاى الكشرى، وقلت له إن هناك كيسا مريبا بالداخل. برم شاربه بطريقة بوليسية خطيرة، وقال وهو يغمض عينا ويفتح عينا، وبلهجته الريفية:
ـ«انت خلى عينك على الكيس.. واحنا معاك هنا!»

أى أنه لم يفكر حتى فى النهوض ليرى.

نحن نتمتع بكمية غوغائية لا يمكن وصفها، والداخلية تتصرف بشكل ارتجالى واضح. آخر مقال كتبته قبل الثورة طلبت فيه أن يتم استقدام خبراء أجانب لإعادة تدريب الداخلية. إنها بارعة فى الشراسة والفتك جدا، لكنها لا تجيد عمل الشرطة الاحترافى كما هو واضح، والكل يعرف أن تنظيما إرهابيا اسمه أجناد مصر أعلن على مواقع التواصل الاجتماعى قبل انفجار قنابل الاتحادية أنه سيفعل ذلك. هناك صحفى اتصل بلواء مهم مسؤول عن التهديدات الارهابية وأبلغه بهذا الإعلان، فأعلنت الداخلية أن البيان محاولة لإرهاب المدنيين، والاتحادية مؤمنة جيدا. نفس طريقة عبد الحكيم عامر عندما عرف بموعد هجوم 1967 قبله بأسبوع فقال لعبد الناصر: «رقبتي» وقال لمن فى قيادته: «قولوا لموشى ديان..إلخ إلخ.....». خلل كهذا كان يكفى لتغيير الوزارة بأكملها، لكنه صار شيئا معتادا..

أكتب هذه الكلمات بينما تدوى انفجارات مروعة فى الشارع.. انفجارات كأنها قنابل ترج المكان وتجعل أجهزة إنذار السيارات تدوى. ثم تخرج للشرفة لتجد أنها صواريخ أطفال. فى كل مكان هناك أولاد يقفون ليبيعوا الصورايخ الصينية، وبعضها باهظ الثمن فعلاُ بمعنى أن ما بقى معنا من مال نفجره كى نضحك. هذا تصرف غير مسؤول فى بلد يمر بحوادث إرهابية.. هكذا لا تعرف إن كان الانفجار ناجما عن قنبلة أم عن صاروخ عيال. دعك من أن هذه الصواريخ مصدر ممتاز للمفرقعات، وكانوا يخبروننا قديما أن مئة (بمبة) تصلح لصنع قنبلة يدوية فتاكة.. أما عن قيادة سيارتك ليلقي صبي بصاروخ مشتعل من نافذتها ويجرى، فقد صار روتينا محببا ودعابة ظريفة جدا.. ما الذى سيحدث بالضبط عندما ينفجر صاروخ صينى فى وجهك وأنت مندفع بسيارتك؟ هل تكتفى بأن تصاب بالعمى أم تدهم أسرة كاملة كذلك؟

من يستورد هذه الأشياء؟ ولماذا لا يلاحقون من يبيعها؟ فى أيام حسنى مبارك كان بيع هذه المفرقعات يمكن أن يورطك فى قضية أمن دولة. هذا عمل آخر كان على الداخلية أن تعمله لكنها لم تفعل.

النقطة الأخيرة هى أننى كلما كتبت عن شهداء الشرطة وجدت من يتهمنى بالنفاق والتقية وإمساك العصا من المنتصف.. إلخ.. كأننى يجب أن أهلل وأرقص: «هييه.. عسكرى داخلية مات!»

المبادئ لا تتجزأ وقد كتبت عشرات المرات أننى لن أحيد عن قناعاتى، سواء كان الكلام موجها للداخلية أو من يزرعون القنابل ويقتلون رجال الشرطة:

1ـ كل الدم المصرى حرام وليس هناك دم أثمن من دم. لا مكان للفظة (يستاهلوا) إذا أردت أن تعيش فى بلد وليس فى كفرة السلخانة.

2- العنف لا يجلب إلا العنف.. هذه الانفجارات ستجعل الداخلية أكثر عنفُا وتتعامل بوحشية أكبر، وهذا سيدفع البعض للانتقام بعمل أكثر عنفا.. وهكذا...

3- من يضح بالحرية من أجل الأمن، يفقد الحرية والأمن معا. مقولة لا تفشل أبدا...

كنت أنوى الكلام عن مواضيع أخرى لكن عدد الكلمات المسموح به لى قد انتهى أو كاد. كل عام وأنت بخير