قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, March 1, 2013

في شارع المشاط - 5


لم يمت أحد
لا أتجاوز الحقيقة بكثير لو قلت إن هذا سبّب لي خيبة أمل! أنا بشري، ومن طباع البشر أن أتمنى أن أكون حكيما ملهما.. لم يمت أحد.. إذن عليَّ أن أعيد حساباتي

لكني لن أعيد حساباتي من البداية.. هناك نقطة مهمة هي أن هذه الرموز التي تصلني لها ارتباط قوي بالأرقام.. لها ارتباط بفكرة اليوبيل. حتى أنني قد أطلق على هذا السفاح اسم "قاتل اليوبيل"ـ

نفس الهواجس دارت في ذهن عزت
صارحني بها وهو يتفقد الفناء الخلفي، والأرانب الصغيرة تتشمم حذاءه. قال لي:ـ
ـ كل شيء جاهز كي يصير اسم القاتل هو "قاتل اليوبيل" ونتحرك على هذا الأساس.. لكن الوغد مصمم على أن يحيرنا.. لو لم يرتكب جريمة هنا الآن فنحن نبني على تربة مخلخلة

ثم اجتاز المنزل إلى الشرفة.. هناك كان ذلك المقعد من الخوص والذي يطل على الشرفة المنخفضة. جلس عليه وأراح ظهره وتنهد وفرد ساقيه أمامه.. قال وهو يغمض عينيه:ـ
ـ كمية سلام غير عادية في هذا الشارع.. آخر شارع تتوقع أن يمرح فيه سفاح

ثم قطف بعض أوراق النعناع من نبتة جواره، وفرك الأوراق وتشممها ثم بدأ يلوك بعضها.. إنها غير نظيفة ملوثة بالغبار، لكننا كنا نعرف أن غبار هذا الشارع غير ملوث.. نفس المنطق الذي يجعلك تشرب قطرات المطر بلا تردد

جاءت الفتاة الحسناء حاملة صحفة عليها عديد من أكواب الشاي الصغيرة أعدتها في المطبخ، وراحت تقدم لكل واحد منا، بينما كل واحد يشكرها ويطري جمالها بطريقته وثقافته.. متشكرين يا عروسة.. تسلم إيدك يا شابة.. شربات فرحك يا رب.. إلخ

جاءت الفتاة الحسناء حاملة صحفة عليها أكواب الشاي ـ (رسوم: فواز) ـ

قدمت لنا كوبين، ثم مدت يدها ببساطة واقتطفت المزيد من الأوراق الخضر -بلا غسيل- ووضعتها في كوبينا. رفعت الكوب لأشرب وسألتها:ـ
ـ ما اسمك؟
ـ لمياء
ـ في أي مدرسة أو كلية أنت؟
ـ أنا أنهيت دراستي في كلية التجارة

نظرت إليها مليا.. تبدو صغيرة جدا على أن تكون متخرجة.. بكل فراسة لن تجد لها سنا أنسب من المدرسة الثانوية.. ومعنى هذا أنها في سن الخطبة.. هناك كثيرون سوف يفكرون في الأمر بلا شك

جاءت أمها من مكان ما بالداخل.. منحنية تمشي كالبطة. قالت لها:ـ
ـ نحن بحاجة إلى بصل يا لمياء. اذهبي لأم ميمي وخذي منها ستة أو سبعة رءوس كبيرة
كان الأمر واضحا.. الأم تنوي أن تطهو لنا وجبة سريعة ما دمنا ننتظر

قال عزت في أريحية:ـ
ـ ما هو رقم البيت؟ سأرسل أحد رجالي
احتجَّت العجوز.. بالطبع بدا غريبا أن يذهب مخبر لجارتها لاقتراض البصل، لكن عزت طمأنها.. لا نستطيع المجازفة بأن تذهب الفتاة لأي مكان الآن.. إما أن يجلب رجلي البصل وإما أن تنسي الموضوع.. لا داعي للبصل أصلا

هكذا ذهب بسطويسي ما من رجال الشرطة إلى المنزل رقم 55، فتحت له أم ميمي الباب وأصابها الهلع طبعا.. احتاجت لفترة حتى تستوعب أن مخبر شرطة جاء ليقترض منها بصلا.. دخلت البيت على حين وقف ابناها ينظران للمخبر في فضول

بعد ثوان سمع المخبر صرخة ذعر.. اندفع داخل البيت، هناك في الكرار كانت الزوجة واقفة وقد غطت فمها وبدت في أسوأ حال ممكنة.. عند قدميها ووسط حزم البصل المتناثرة، كانت جثة رجل قام أحدهم بتمزيق عنقه من الخلف.. هذا الرجل هو زوجها

هكذا نسينا موضوع البصل والغداء، ونسينا كل شيء عن الأرانب
انطلقنا نركض نحو ذلك البيت الهادئ الذي تحول إلى مسرح مذبحة
رقم 55.. ما معنى هذا؟
هل أصيب القاتل بالعجز عن العد أم أن قوانين اللعبة تغيرت؟

هناك وقفنا في بلاهة نرمق الجثة.. الجثة التي ذبحها أحدهم ولا نعرف من.. لقد صار شارع المشاط أخطر شارع في العالم
سؤال آخر: هل أنا عبقري أم غبي آخر؟
مجرد عجزي عن الإجابة يعني أنني غبي

-12-

فترة صاخبة أخرى من البحث.. تحقيقات , أسئلة عن أعداء الرجل
إنه مدرس جغرافيا.. هذا يعني أن لديه أعداء كثيرين، لكن ليس لدرجة قتله طبعا.. أعداء مدرس الجغرافيا لن يساعدوه عندما يرونه وهو يقتل، لكنهم لن يبدءوا بالقتل على ما أظن
لا توجد بصمات على قطعة الذهب سوى بصماتي طبعا.. لا توجد علامات على العلبة.. لقد صار الأمر معقدا

كنت جالسا أدرس تفاصيل الموت
هنا لاحظت وجود تطابق شبه تام بين سن الضحية ورقم المنزل
حزام جلدي ثم قتل طفل في الثالثة.. الفتاة المراهقة ورباط حذاء.. نحن نتحدث عن رقم 13.. بدا لي بديهيا أنه المنزل رقم 13 بسبب عنوان الفيلم.. الياقوتة.. ماتت بعدها امرأة في الثالثة والأربعين.. الحقيقة أن هذا لم يكن دقيقا.. عندما راجعنا تاريخ الميلاد عرفنا أنها في الأربعين.. عندما تلقينا الطبق الصيني كنا نتحدث عن شاب في العشرين.. لم نكن نعرف السن بدقة

الجريمة الأخيرة.. الزوج الميت في الخمسين
هكذا تتضح الأمور أكثر
ما زالت النظرية صحيحة وقابلة للاختبار

اتصلت بعزت لأخبره:ـ
ـ الرموز تدل على سن الضحية القادمة.. هذا أقرب للمنطق وفكرة اليوبيل
قال محتجا:ـ
ـ لكن رقم البيت كان يتفق مع الرمز في كل مرة باستثناء الأخيرة
ـ هذه دعابة قاسية منه على الأرجح.. عرف أننا سنفكر في رقم البيت بينما هو يفكر في السن.. اختار بيوتا تحقق الخيارين معا.. فكر في أننا سنبلع هذا الطعم.. وهذا على فكرة يعقد الأمور جدا، لأن البحث عن البيت رقم 25 سهل، أما حماية كل شاب في الخامسة والعشرين من عمره فأمر عسير

كانت الأسئلة كثيرة.. وكنا على كل حال قد تجاوزنا ترف السؤال: من القاتل؟ صار هذا نوعا من الدلع يبلغ مبلغ قلة الأدب والوقاحة.. نحن الآن نسأل أسئلة معقولة مثل:ـ
لماذا هذا الشارع بالذات؟
لماذا يختار القتلى بطريقة اليوبيل؟
لماذا ينذرني أنا دون سواي؟ هل أحدث فارقا سواء بجهلي أو بعلمي؟ سواء وصلت للسر أو لم أصل فالجريمة ستقع.. فلماذا يتعب نفسه؟
لماذا يتعامل سكان الشارع بلا مبالاة مع الأحداث؟

لماذا ينذرني أنا دون سواي؟ ـ (رسوم: فواز) ـ

كنت أفكر في لمياء.. سكان هذا الشارع يخفون شيئا ما.. ولمياء على الأرجح تعرف هذا السر، لكنها الأقرب إلى البوح به.. عرفت هذا من نظراتها
سوف أحاول الاقتراب منها أكثر لأفهم

-13-

أحلام كانت تموت فعلا.. وقد أدركوا أنها حامل. حامل وهي غير متزوجة
كانت هذه هي اللحظة التي أدركوا فيها أن عليها أن ترحل.. أن تموت في مكان آخر، لقد غيرت حياة الجميع وأفسدت كل شيء.. لم يعد أحد يتحملها ولا يتحمل نظراتها

وكنت أنا في الصورة.. ربما كان حظا حسنا أو سيئا.. لكني اعتبرت أن الله تعالى أرسلني من أجلها
هذه قصة أفضل أن أنساها على كل حال.. لا تسألني عنها ثانية من فضلك

.......

يُتبع