قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Tuesday, March 5, 2013

من ملفات الحرب - 4



يذكرنى مرسى فى أسلوب الحكم بمثال له إيحاءات كثيرة. عرفت عروسا ريفية يستعد أهلها للزفاف، وهى غير راضية عن العريس بتاتا.. وهكذا اندمجتْ فى البكاء والهستيريا والأعراض النفسجسمية المعروفة؛ فما كان من أهلها والعريس إلا أن أسرعوا بخطوات الزفاف.. بسرعة وحسم.. يرددون دوما أنها حين تجد نفسها فى بيت مغلق مع عريسها فسوف تنسى هذا كله وتندمج فى دور الزوجة الشابة. أى أن علاج النفور من الزيجة هو الإسراع بها. نفس الشيء ينطبق بشكل ما على بمبى بمبى وأغنية سعاد حسنى.. هل تذكر مقطع (كنت بهرب قال وأقوللك آه ولأ.. خدتنى بالقوة وريتنى ياروحى السعادة.. أشكرك ياحبيبى عندك ألف حق). طبعا هناك ألف علامة استفهام حول السعادة المزعومة، وما إذا كان مرسى هو حسين فهمى ومصر هى سعاد حسنى.. تبقى مصيبة. لكن هذا المثال يقفز إلى ذهنى كلما رأيت ما يفعله الرجل

مرسى يربح معركته بلا توقف، ويقودنا بالضبط فى الطرق التى يريدها. سواء رضيت عن أدائه أو اعتبرته الشيطان جاء ليحكم، فلا تنكر أن الرجل فعل بالضبط ما أراده. الشتائم تنهال عليه والعقبات، ومليون جريدة مخصصة لسبه وإطلاق الشائعات ضده، وألف محطة فضائية ساهرة من أجل إسقاطه، ومليارات تهرق من أجل إفشاله وحرق كل شيء وإغلاق كل الطرق، لكنه بارد جدا وهادئ جدا ويفعل بالضبط ما يريد

بالطبع أتحدث هنا عن سعة الحيلة ولم أتحدث عن البراعة فى حكم البلاد، فمن الواضح أن حالنا زى الطين حاليا... الاقتصاد منهار والبلد ممزقة والسياحة فى الحضيض والخدمات سيئة والمنطاد احترق، وقد سبق أن قلت إن حل الانتخابات المبكرة يبدو معقولا وعادلا ليهدأ الجميع، لكن كم من هذا الانهيار يتحمل مرسى مسئوليته، وكم يتحمل الرافضون ليلا نهارا؟.. كما قلت من قبل: يتمنى كثيرون أن تحترق مصر ثم تغرق لتكون هذه نهاية الإخوان.. كف عن العمل سبعة أشهر ثم أعلن أن مرسى أدى لانهيار الاقتصاد وخرب البلد

مرسى يربح بالتأكيد.. وهو فى الطريق لنجاح آخر هو إتمام الانتخابات البرلمانية، وكل شيء يؤكد أن مجلس الشعب القادم إخوانجى.. هكذا ستجد العروس الغاضبة نفسها بالفعل فى بيت العريس دون أن تفهم كيف.. لماذا؟.. هل هو التزوير؟.. هل هو الزيت والدقيق؟. السبب هو الخطأ التاريخى الذى سترتكبه المعارضة وجبهة الإنقاذ بمقاطعة الانتخابات تاركين للإخوان كل شيء

أولا أنت تعرف أن المقاطعة ستتفتت مع الوقت.. ستبدأ مراحل رفض الاستفتاء الشهيرة: 1- نرفض المشاركة فى هذه المهزلة – 2- قررنا المشاركة حتى لا نترك لهم الحبل على الغارب – 3- خسرنا لأن الانتخابات كانت مزورة بشهادة العالم – لندع لمليونية شنق مرسى.. إلخ

أغلب من يرفضون الآن سوف يقبلون فيما بعد، وسوف أذكرك، لكن لن يكون العدد كافيا. المشكلة بالنسبة لمعارضى مرسى هى أنها انتخابات خطرة ويجب ألا تتم بأى شكل. نجاح مرسى فيها سوف يكون كاستفتاء مبكر على شرعيته وسوف يصير أقوى

الضربة الكبرى التى وجهتها المعارضة وجبهة الإنقاذ لنفسها، والتى فضحت الكثيرين لدى الشارع المصرى هى نغمة استعداء الجيش الواضحة.. نغمة: من الواجب أن يتدخل الجيش الآن لينقذ مصر.. ينقذها من إيه بالضبط؟.. ألم تجربوا الجيش بعد الثورة وقبل الثورة؟.. أين ذهب (يسقط يسقط حكم العسكر) و(لا للمحاكمات العسكرية) وكشف العذرية.. إلخ. فجأة نسوا هذا كله وابتلعوه بعد ما مزقوا صور الجندى الذى يحتضن طفلة على زجاج كل الحافلات، وصاروا يطالبون بحكومة عسكرية تطرد حكومة مدنية منتخبة.. والسبب؟.. لأنهم يكرهون الإخوان أكثر من حبهم للديمقراطية وتداول السلطة. هنا تبدأ جريمة خيانة عظمى فى رأيي؛ هى محاولة بعض المواطنين تحرير توكيلات لإسناد إدارة البلاد للقوات المسلحة.. وهى الخطوة التى وصفها عبدالمنعم أبو الفتوح نفسه بالكارثة الوطنية

فاجأنى البرادعى يقول للبى بى سي: «إذا كانت مصر على شفا التراجع للخلف، وإذا كان القانون والنظام غائبين، فإن الجيش عليه واجب وطنى بالتدخل.... الانتخابات خطر على البلاد وتضعها على طريق الفوضى الشاملة وعدم الاستقرار، وإنها إن حدثت سيكون تدخل الجيش هو الأمر المنطقى، لتحقيق الاستقرار حتى يمكن استئناف العملية السياسية». هكذا من أجل كراهية الإخوان تلغى الثورة كأنها لم تكن، ونبدأ من الصفر.. اطرد الصندوق وهات دبابة بدلا منه. طيب ما تطلعوا مبارك وخلاص.. على الأقل هو يملك الخبرة وأنتم لا تملكونها. بل لماذا لا تطلبون التدخل الأمريكى والغزو وخلاص؟

البرادعى من رافضى الانتخابات بشدة، ويرى أن حالة التوتر والخلاف غير مناسبة لعمل انتخابات.. هل تتوقع أن تهدأ الأمور؟.. نحن منذ عامين نتشاجر ونتبادل السباب ونمزق ثياب بعض، ونحرق بعضنا بالمولوتوف.. فهل تتوقع تفاهما قبل عام 3200؟. وهل كانت الأوضاع مستقرة وجميلة عندما رشح حمدين صباحى وبثينة كامل نفسيهما للبرلمان والرئاسة فى عصر مبارك وعصر حكم العسكر؟

أضف لهذا أن البرادعى يصحو كل يوم ليكتب (هذا الحادث الأخير أسقط شرعية النظام).. هناك حادث دائما.. يعنى شرعية النظام كانت موجودة أمس؟ لابد للشرعية لكى تسقط أن تكون موجودة لو كنت تفهم قصدى

عمرو موسى يقاطع الانتخابات حتى الآن «لأن أوضاع البلاد بشكل عام لا تسمح بإجراء انتخابات فى الوقت الراهن، ولابد من التركيز على الاقتصاد». هل تتوقع أن إيرهارد نفسه يستطيع التركيز على الاقتصاد الآن، دون أن تحرقه زجاجة مولوتوف؟

هذه النغمة فى كل مكان، والآن فقط بدأ السيد مصطفى بكرى والمستشارة تهانى الجبالى يعلنان أن « الدعوة لمليونية دعم الجيش هدفها إعلان التضامن مع الجيش ضد جماعة الإخوان المسلمين». وهى نغمة تحريض للجيش واضحة جدا. الإخوان شقوا الوطن فانهضوا أثابكم الله ولتملأ دباباتكم ميادين مصر. مرحب مرحب حكم العسكر

من جديد بدأ التفرق كما حدث مع زوجة أوديسيوس التى ظلت تنتظر زوجها وظل خطابها يتصارعون. وهو ما يعنى بالفعل أن مرسى يكسب معركة جديدة، ومن جديد سوف يترك لهم الحرية كاملة فى شتمه والسخرية منه على فيس بوك وتويتر، وبرامج باسم يوسف وهانى رمزى وكل برنامج تقريبا.. قولوا ما تريدون وسوف أفعل ما أريد. يبدو أن كل من يأتى بعد مبارك يتعلم الدرس بسرعة

الشاعر عبدالرحمن يوسف الذى أعتبره يقف فى الجانب الآخر مع المعارضة، كتب مقالا جميلا معقولا جدا عن أساطير المقاطعة، وأعلن أنه سيرشح نفسه، وفند كل حجج المقاطعة حجة تلو أخرى. ولخص الموقف بأن شعبية الإخوان الآن منخفضة وهناك فرصة عادلة معقولة لمن ينافسهم، ويقول عن الرافضين: « إنهم أناس يريدون النصر حالا، ومن يخالفهم فى وجهة نظرهم السطحية تلك، لا بد أن يكون عميلا لأى أحد، للإخوان، أو لأمريكا، أو لإسرائيل... اختر ما شئت». العنب فوق الشجرة حامض دائما.. هذه حقيقة

فى نفس الوقت تلعب جبهة الإنقاذ ألعابا عجيبة، كأن تطالب بأن تستمر المناطيد فى التحليق بعد كارثة المنطاد إياها !... السبب أن الحكومة قررت وقف المناطيد إلى أن يكتمل التحقيق. فجأة صارت الجبهة متعاطفة جدا مع أصحاب المناطيد الغلابة، ولو قررت الحكومة استمرار المناطيد لاجتمعت الجبهة لتشجب هذا الإهمال والاستهتار

الخلاصة: المقاطعة خطأ تاريخى آخر من سلسلة أخطاء جبهة الإنقاذ والمعارضة، ونجاح جديد لمرسى الذى يقودكم بالضبط إلى حيث يريد كأنه ذلك العريس الريفى. يجب الاندماج فى اللعبة السياسية ومحاولة الظفر بدلا من تضييع الوقت فى حرق الملعب

وفى النهاية.. اعتاد المعلقون على النت السخرية من عبارة (أنا مش من الإخوان لكن...) باعتبارها نوعا من الديباجة الرسمية الثابتة للجان الإلكترونية للإخوان، وأنا أقول إنه على الجانب الآخر هناك عبارة (أنا انتخبت مرسى وتحمست له فى البداية ولكن...) وهى ديباجة ثابتة لألد أعداء الإخوان. أنا لست من الإخوان ولم أنتخب مرسى، ولم أنتخب الإخوان فى مجلس الشعب، وقلت لا للدستور.. لدى كل ما يكفى كى أزعم أننى مناضل. لكنى لست مناضلا ولا حاجة.. قد أكره الإخوان، لكنى أكره من يتمنون سقوط مصر كى يفشل الإخوان أكثر